Friday 14 April 2017

مستقبل الطاقة وتحدياتها، عالمياً ومحلياً


                                       

مستقبل الطاقة وتحدياتها، عالمياً ومحلياً




إن الطاقة تعد من أهم ركائز الحضارة البشرية، فلطالما قيس تطور حضارة من الحضارات بكمية الطاقة المنتجة فيها، وبتنوع مصادرها، منذ أن كان الإنسان يستخدم النار كمصدر الطاقة الوحيد، إلى عالم اليوم، حيث تدهشنا التكنولوجيا بمقدرتها على ابتداع الأشكال الجديدة للطاقة، ولأن الطاقة بالمختصر هي القدرة على القيام بعمل مفيد، فإنها المحرك لحياتنا، وللمقارنة فإن معدل استهلاك الطاقة لكل فرد في المجتمعات المتطورة اليوم، يفوق نصيب الفرد في مجتمعات فجر البشرية، بمئة ضعف!.

ويشهد عالم اليوم معدلات استهلاك هائلة جداً لم يسبق لها مثيل وذلك بسبب التغيرات الكبيرة في طبيعة الحياة، ويعود الفضل لذلك بإكتشاف الطاقة الكهربائية (الحديثة نسبيا)، هذا الشكل من الطاقة، والذي أدى –وبخطىً متسارعة– إلى تحسين الحياة وجعلها أسهل وأكثر إنتاجاً، فقد ارتبطت الكهرباء بعالمنا اليوم من جميع نواحيه، صناعياً، واقتصادياً، وساسياً حتى.

هذا وقد بلغ الاستهلاك العالمي للطاقة عام 2012م (8979)[1] مليون مكافئ طن نفط، (ومكافئ طن نفط هي وحدة لتسهيل فهم الاستهلاك العالمي، بحيث يتم تحويل كمية الطاقة المنتجة من المصادر المختلفة إلى ما يكافئها من النفط)، وهذا الرقم في نمو مطرد، لأنه وقبل 25 عاماً فقط (عام 1987م) كان الاستهلاك العالمي (7276)[2] مليون مكافئ طن نفط، وهذا يعني زيادة بمقدار الربع تقريباً.

تتنوع المصادر الرئيسية لهذه الطاقة تنوعا كبيراً، وتتوزع بنسب متفاوتة أيضاً، فالحصة الكبرى[2] هي للنفط بنسبة 36.9%، ويليه الفحم الحجري بـ27.2%، ثم الغاز الطبيعي بنسبة 23.8%، وبهذه  النسب يتفوق الوقود الأحفوري (الاسم الجامع للثلاث الأخيرة) بشكل هائل على باقي المصادر، التي تتمثل بالطاقة النووية (5.8%)، والطاقة الكهرومائية (مولدات السدود) بنسبة 6.3%.

ومن الملاحظ في السنوات الأخيرة أن هذه الحصص قد بدأت في الانخفاض تدريجياً، تحت وطأة الثورة  الحاصلة في تكنولوجيا الخلايا الشمسية والعنفات الهوائية، مما سمح بدخول الطاقة المتجددة بقوة في ميدان توليد الطاقة، وتحديدا مع بداية العقد الثاني للقرن العشرين، إذ بلغت نسب التوليد من الطاقة المتجددة (رياح وشمسية) للعام 2012م[1]، 3.5% من الطاقة العالمية، وهي نسبة لا يستهان بها أبداً، في معرض حديثنا عن تكنولوجيا حديثة نسبياً.

وتنقسم مصادر الطاقة المتجددة الرئيسية لخمس مجموعات، أولها الطاقة الشمسية، وتقسم هذه الأخيرة لطريقتي حصاد، الأولى بتركيز الأشعة الشمسية على مستودع مائي لتوليد البخار منه، وبالتالي تحريك المولدات الكهربائية، بما يدعى بالتأثير الحراري، وأما الطريقة الأكثر انتشاراً، فهي بناء مزارعٍ من الخلايا الكهروضوئية، والتي تقوم بتحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء فوراً.

وثاني المصادر، طاقة الرياح، إذ يتم استغلال المناطق ذات الرياح الشديدة وشبه الدائمة، بإنشاء مزرعة للعنفات الهوائية، والتي ما إن تدور، حتى تمنحنا الكهرباء، وتنقسم باقي المصادر إلى الطاقة الكهرومائية، وطاقة حرارة باطن الأرض، وطاقة الكتلة الحيوية.

إن مصادر الطاقة المتجددة واعدةٌ جداً لبناءِ مستقبلٍ مستدام، وقادرةٌ على إمداد عالمنا بالطاقة بشكل كامل، إذ إن الطاقة الساقطة على الأرض من الشمس ليوم واحد، أكثر من حاجة البشرية لعام كامل!، ولكن لماذا لا ينتقل العالم إلى استخدام الطاقة المتجددة بسرعة وبشكل كليّ؟.

كما عرضنا في بداية الحديث، فإن الطاقة قد ارتبطت بعالمنا اليوم من كل نواحيه، وهي المحرك الرئيس لحياتنا، ولذلك فإن على مصادرنا أن تحقق قدراً عالياً جداً، من الموثوقية والاعتمادية، فعلى سبيل المقارنة، نجد أن مشغلي المحطات العاملة بالوقود الأحفوري يملكون تحكما كاملا بالطاقة الخارجة منها، ويستطيعون بأي لحظة أن يتعاملوا مع الطلب المتغير باستمرار، وهذا يعطي اعتمادية وموثوقية لهذه المحطات، أما بالنسبة للطاقة المتجددة، والتي تعتمد بشكل رئيس على عوامل الطقس، مثل سطوع الشمس وسرعة الرياح، فإن أي تغير مفاجئ في سرعة الرياح مثلا، سيؤدي إلى انقطاع الطاقة عن الكثير من المستهلكين، وهذا يفقدها جزءاً كبيراً من الموثوقية، ولكن تبقى الأبحاث الجارية حالياً من قبل عمالقة هذه التكنولوجيا، واعدةً جداً لحل مثل هذه المشكلات.
أحد أبرز التحديات الأخرى في وجه الطاقة المتجددة، هو اعتماد أنظمة الطاقة واقتصادها على الوقود الأحفوري بشكل كبير جدا، فبالتالي لا يمكن إقصاء الوقود الأحفوري من مصادر الطاقة فوراً، وذلك لوجود مئات ملايين البشر اليوم يعتمدون بشكل كامل عليه، أين سيذهب هؤلاء في حالة توقفنا عن استخدام الوقود الأحفوري؟، وللإجابة على هذا السؤال فإننا كبشرية جمعاءَ، بحاجة لسنوات من التخطيط والمناقشات، الاقتصادية، والتقنية والسياسية، لإزالة هذا التحدي من وجه الطاقة المتجددة والمستقبل المستدام.

على الرغم من ثقل هذه التحديات إلّا أنه يوجد نماذج عالمية رائدة في اعتمادها على الطاقة المتجددة بشكل شبه كليّ، ففي المرتبة الأولى عالمياً، تتربع ألمانيا على عرش الطاقة المتجددة بالنسبة لدول العالم المتطورة، ولكن على صعيد الدول النامية فإن دولة كوستاريكا (الواقعة في أميركا الوسطى) تعد من أكثر نماذج التحول نحو الطاقة المتجددة إلهاماً.

قبل ما يقربُ من خمسةٍ وعشرين عاماً، كان لدى ألمانيا رؤية طموحة لتغطية حاجتها من الطاقة بمصادر متجددةٍ ونظيفة، وبفضل التخطيط المدروس والاستثمار في مجال البنية التحتية للطاقة المتجددة، فقد وصلت ألمانيا لنسبة[3] 44% تركيبات طاقة متجددة من مجموع تركيبات مصادر الطاقة، وهذه النسبة وحدها قادرة على تغطية حاجة البلاد من الطاقة بشكل كليّ (مجموع التركيبات يكون أكبر من الطلب الحالي وذلك لتغطية النمو المستقبلي)، وهو ما حدث[4] بتارخ 8/5/2016م، حيث أتت ظروف ملائمة جدا من سطوع شمسي ورياح قوية، بحيث أصبحت كلفة الطاقة سالبة على المستهلك!، وهذا يعني أن شركات انتاج الطاقة أصبحت تدفع للمشتركين حتى يستهلكوا طاقة أكثر، وذلك لصرف الفائض (لأن التوليد يكون على قدر الطلب فقط ولا يجوز أن يكون هنالك زيادة)، هذا الحدث دفع ألمانيا ومعها العالم، لإعادة النظر في توليد الطاقة المتجددة، حتى لا تؤثر بشكل كبير على العاملين في محطات الطاقة الأخرى، وأيضا لتحقيق توازن بين قطاعات الطاقة المختلفة.


بالانتقال للحديث عن دولة أخرى، دولة تعتبر دولة نامية، من دول أميركا الوسطى، ذات تعداد سكاني ومساحة جغرافية صغيرة نسبيا (نصف مساحة وعدد سكان الأردن)، ولكنها حققت معجزة حقيقة في توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، كوستاريكا أكثر النماذج العالمية إلهاماً في مجال الطاقة المتجددة، فقد وصلت لنسبة 100% تقريبا من حاجتها للكهرباء[5] في العامين الماضيين، وهذه النتيجة تمنح الأمل لكثير من الدول النامية، بأن تشارك كوستاريكا تجربتها المثيرة في عالم الطاقة المتجددة.

إن موضوع الطاقة في الأردن يعتبر من أكثر المواضيع جدلاً في الفترة الأخيرة، وعلى جميع الأصعدة، إذ إن الأردن يستورد كمية هائلةً جداً من حاجته من الطاقة، ما نسبته 97%، وهذه الكمية المهولة  قد كلفت ما يفوق الأربعة مليارات دينار في عام 2013م[6]، وهذا المبلغ في ارتفاع سنوي.

لكن الأردن، وبما حباه الله من الخيرات الطبيعية قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة في حالة الاستثمار بمصادر الطاقة المختلفة فيه، فالأردن يمتلك خاماً جيداً من الصخر الزيتي، والذي بعيداً عن مضاره البيئية، يمكن استثماره في غضون 7 سنوات فقط[7]، كما يملك الأردن خاماً ممتازاً من اليورانيوم، الذي يمكن توليد الطاقة منه وبكفاءة عالية، ويبقى الأهم من هذا وذاك هو طقس الأردن، والذي يبدو محفزاً للبدء بوضع خطط الاستثمار في مجالي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بحيث يعد معدل الاشعاع الشمسي في محافظة معان، أحد أعلى المعدلات على مستوى الوطن العربي، كما أن الرياح في محافظة الطفيلة، من حيث الشدة والديمومة، تعتبر مناسبة جدا لإنشاءِ مزارع الرياح.

واستطراداً لموضوع الطاقة الشمسية، فإن الأردن بموقعه الجغرافي المتميز يحظى بمعدل 3000 ساعة مشمسة سنوياً[7](السنة 8760 ساعة ليلاً ونهاراً)، كما أن توزيع شدة السطوع متماثل تقريبا عبر الأردن، مما يعني عدم الحاجة لإنشاء بنى تحتية مكلفة لحصاد الطاقة الشمسية، ومع الوعي المتزايد بأهمية الطاقة الشمسية، فقد بدأت العديد من الشركات وحتى المواطنين العاديين، بتركيب الألواح الشمسية في منشآتهم وأسطح مبانيهم، ومما أصبح يضرب به المثل في هذا المجال، نظام الخلايا الشمسية الذي قامت الجامعة الهاشمية بتركيبهِ، وبذلك خفضت فاتورتها إلى صفر دينار!، ومن المشاريع الرائدة أيضا على مستوى الأردن، مشروع (شمس معان)[8] ذو القدرة 52.6 ميجاواط (الميجا تساوي مليون)، هذه النماذج يجب أن تحث الأردن على تعزيز شبكتهِ من الخلايا الشمسية، وأن يقوم بالاستفادة من خبرات الدول الرائدة في هذا المجال، ليخطط لمستقبل أكثر ثباتاً واستدامة.

أما بالنسبة لطاقة الرياح، فإن تركّز تيارات الرياح القوية بعيداً عن مسارات هجرة الطيور، يمنح الأردن قدرةً على الاستفادة القصوى من طاقة الرياح، ولكن بسبب كِبر حجم العنفة الهوائية، فلا نستطيع استخدامها داخل المدن كما الألواح الشمسية، ولكن توضع العنفات في مزارع الرياح، وهي مناطق ذات رياح قوية ومستمرة على مدار العام، وهو ما بدأ الاستثمار فيه فعلياً، فقد بدأ مشروع (رياح الطفيلة)[9]  المشروع رائد محلياً، ذو قدرة إنتاجية 117 ميجاواط، وهو رقم جيد جدا وقادر على تزويد الكهرباء للعديد من المنازل والمصانع في منطقة الطفيلة والجنوب بشكل عام، وتتكون مزرعة الرياح تلك من 38 عنفة هوائية، تنتج لنا طاقة نظيفة وبفعالية ممتازة.

عند النظر إلى التوجه العالمي نحو تكنولوجيا الطاقة المتجددة، لا تبدو الأردن رائدةً عالمياً مع الأسف، على الرغم من ريادتها إقليمياً، ولكن لم يفت الأوان بعد لتحقيق نظام طاقة فعال ومستدام، وفي الحقيقة فإن تزايد الوعي، بالإضافة إلى المشاريع التي ستدخل الخدمة قريباً، ليبعثُ الأملَ على تجاوز كل التحديات التي تقف عائقا يحول دون الوصول لمستقبل آمن ومستدام، بسواعد شباب وشابات الوطن، الذين أخذوا على عاتقهم أن ينهضوا بقطاع الطاقة في الأردن، فمنهم من بدأ يدرس الموضوع، دراساتٍ أكاديميةً عُليا، ومنهم من انخرط في سوق العمل ليتعلم المهارات في التوصيل، والتركيب، والصيانة، لتكنولوجيا الطاقة المتجددة، كما أصبحت تُعقد دورات للطاقة المتجددة في كثيرٍ من الجامعات والمراكز حول الأردن، لتغطية آخر المستجدات في هذا القطاع المتطور بصورة هائلة، وأنا أؤمن أن الانتقال إلى تلك المرحلة لن يأخذ الكثير من الوقت، وفي الحقيقة، لقد بدأ الأردن أولى خطواته، ميمماً صوب مستقبل نظيفٍ، آمنٍ، ومستدام.






 عمر عبد الوهاب العمرو

طالب هندسة كهربائية –سنة خامسة
جامعة مؤته – الفصل الدراسي الثاني 2016/2017م

كتب المقال للمشاركة في مسابقة (المقالة العلمية) التي تقام في جامعة الأميرة سمية في نيسان – 2017 م.
(حاز المقال على المركز الثاني على مستوى الجامعات الأردنية)









المصادر:

1-    International Energy Outlook 2016, U.S. Energy Information Administration, May 2016.
2-    آراء حول الطاقة والبيئة، منظمة (أوابك)، القاهرة، نيسان 1994.

3-    IEEE, Power & Energy society, Vo.13 -Num. 6, Nov/Dec. 2015.


4-    يوم فائض من الطاقة المتجددة في ألمانيا، مقال على موقع الجزيرة الإخباري الإلكتروني.

5-    Costa Rica Has Been Running on 100% Renewable Energy, science alert web site.


6-    4  مليارات دينار فاتورة الطاقة في الأردن، مقال على موقع جريدة الغد الالكتروني.

7-    الطاقة في الأردن، د.ابراهيم بدران،د. شاكر مقبل،د. عبد القادر عابد، الطبعة  الأولى، دار الفرقان، عمان - الأردن،1986.

8-    "شمس معان" تبدأ تنفيذ المشروع في أيار المقبل، مقال على موقع جريدة الغد الإلكتروني.













No comments:

Post a Comment